top of page

فاطمة المزروعي تتلصص على الحياة من «زاوية حادة»

 

جهاد هديب

 

في روايتها «زاوية حادّة» الصادرة مؤخرا عن دار العين للنشر في القاهرة في 126 صفحة من القطع المتوسط، ترى الكاتبة فاطمة المزروعي العالم من وجهة نظر أخرى، وتكتب ما تراه، كما لو أنها لا تعيش الحكايا، بل تتلصص على الحياة من ثقب في باب.كما لا تأتي بشخصياتها من الفراغ الباهت إنما من الواقع الذي تفوق بعض قصصه الروايات العجائبية، ولا تسمح للمخيلة الروائية أن تحلِّق في الشعرية لكن تسعى إلى أن تكون روايتها، بالمجمل أو كدلالة واسعة، شعرية من نوع ما، بحيث تشد تفاصيلها القارئ إلى واقع بعينه لم يكن قد أدرك مسبقا أن هذا الواقع يحيط به بالفعل.ويمكن القول إن صاحبة المجموعة القصصية «وجه امرأة فاتنة» الصادرة عام 2008 قد كتبت روايتها هذه بالروح ذاتها التي تكتب بها قصتها القصيرة، بل بالتقنية ذاتها أيضا، حيث يجمع بين قصة فاطمة المزروعي وروايتها منطق السرد الذي يبدأ من النقطة ألف إلى النقطة ياء في مسار خطي يكاد يكون كرونولوجيا، وكذلك فكرة التداعي لدى الشخصية الرئيسية مختلطة بما يسمى بتيار الوعي في الكتابة الروائية حيث نرى العالم مسرودا من وجهة نظر واحدة، دون خلط في الأزمنة والأمكنة، ودون أن توضح هويتهما في الوقت نفسه تاركة للقارئ أن يدرك وحده من خلال تضاعيف «الحكي» أن هذه الشخصية الرئيسية تعيش في الجوار القريب منه وربما سبق له أنْ رآها أو احتك بها هنا أو هناك في مصعد عمارة يقطنها أو سوبر ماركت غادره للتوّ. ربما يكون العنوان «زاوية حادة» هو المساحة من الظلّ الذي تُحدثه شمس قائظة على رمال في ساحة بيت أو باحة سجن، فلا فرق هنا، لكن هذا الظلّ المتروك على الرمال قد عاشت فيه الشخصية الرئيسية الساردة حياة بأكملها فلم تر من العالم، ومن تجربتها في المرور به وبفكرة العيش، إلا ما يسمح برؤيته ثَقْب في زنزانة من الفضاء الواسع كله.مع ذلك تكشف الشخصية الساردة عن نفسها عبر عدد من التمردات الصغيرة على منطق العيش السائد، حيث الذكورة تطغى على الأنوثة وتبقيها في الظلّ وحيث ما من إمكانية لتغيير الوضعية القائمة إلا باستيعاب كل الارتدادات نفسيا وبالتالي الاختناق من الداخل.لكن هل يمكن القول إن من الممكن للشخصية أن تجرّ الكاتبة إلى عوالم أخرى فتبوح بما هو محرّم من وجهة نظر الذكورة ومكبوت في داخل أنوثة تُحتضَر؟ هل من الممكن أن تكون الشخصية قد مارست نوعا من البوح مع الكاتبة لتقول بجرأة ما كانت أن تودّ أن تقوله لمعلماتها، هي الطفلة التي اعتدي عليها وبهذا القَدْر من الجرأة؟ وبواقعية أكثر، هل من الممكن نشر هذا النوع من الأدب الإماراتي، بجرأته العالية، إماراتيا؟قد يلمس المرء هنا مبالغة في السؤال، غير أنها أسئلة تأخذ مشروعيتها الكاملة من حياة الطفلة التي كانتها الشخصية الرئيسية، والتي في آخر الأمر لا تجد حلا لإشكالية ذاتها مع نفسها، إلا بأن تعود الطفلة التي كانتها دون أن تكون عُرضة لاضطهاد المجتمع الذكوري وأن تعيش حياتها فتكبر وتنمو كما ينمو أطفال الآخرين.هكذا تكون الحياة هي صنو الرغبة ووجهها الآخر، لكنها رغبة صغيرة في التخلص من الحمولة الباهظة للماضي الشخصي، كما تقدمها فاطمة المزروعي. رغبة الخلاص من الوجع الكامن في أصل الرأس، والرغبة في احتضان الجد القاسي ثانية والرغبة في اللحاق بالأب إلى باب البيت دون خوف من أنها ستُضرب. لكن المزروعي لا تجعل من ذلك أمرا مؤثرا لأنه كذلك، هي تنزع في سردها إلى مسحة خفيفة من الحزن الذي تجعله –أي تجعل السرد– شفافا عن عمر هو ليس بالتأكيد عمر الورد بل عمر ذلك الظلّ الذي ما إن وجد منذ الطفولة حتى انتقل مع الحياة بتقلباتها كلها جاعلا من الأوجاع والمسرّات قناعا متبادلا بين الواحدة والأخرى.يمكن القول هنا أيضا، إن الحياة في الظلّ والنظر إلى العالم من ثقب في الخزان هي رحلة بحث عن «هوية» تخص ذاتا قلِقَة ومستوحشة تعيش في عالمها الخاص الواقعي والمتخيَّل معا. لا تنهي فاطمة المزروعي روايتها ببكائية من نوع ما، بل تصير الرغبات في آخر الأمر أجنحة تحلّق بها فوق ماضيها راصدة ذكريات قديمة، من فرط ما تخصّها وحدها باتت تخص القارئ أيضا. وهذه واحدة من سمات «الطاقة» التي يبثها سرد فاطمة المزروعي في كتابيها: وجه أرملة فاتنة ثم زاوية حادّة.

-------------------------- -

لقراءة المادة من المصدر اصغط الرابط التالي:

http://www.alittihad.ae/details.php?id=59566&y=2010

 

 

 

 

 

 

 

 

bottom of page