top of page
  • Writer's picturefatima

كاتبة يتوقع منها الكثير



محمد ولد محمد سالم 

الذي يقرأ قصة “لعبة الاختباء” للكاتبة الإماراتية فاطمة المزروعي لا بد أن يتنبه إلى التقنية البديعة في بنائها الفني وفي القدرة على مزج الخيال بالواقع والانتقال بين الحاضر والماضي واستثمار الأطر الاجتماعية والنفسية، وفي اقتصادها اللغوي، ولا بد له أن - يتوقع من هذه الكاتبة الكثير- على حد عبارة غازي القصيبي في تقديمه لرواية “بنات الرياض” لرجاء عبدالله الصانع . وفي روايتها الجديدة “زاوية حادة” لم تخرج فاطمة المزروعي عن عادتها في أسلوب الكتابة من ناحية رشاقة اللغة وسلامة التركيب والقدرة الجميلة على اصطفاء العبارة المناسبة، وجعل الأسلوب يتدفق باستمرار نحو نهاية القصة، وقد اجتهدت في أن يكون بناؤها الفني محكما، وأن تكون الرواية معبرة بصراحة وجرأة عن وجهة نظر كاتبتها، ونجحت في ذلك إلى حد بعيد، لكن “زاوية حادة” لن تلبي التوقعات بالنسبة لمن قرأ القصة القصيرة الآنفة الذكر، وربما يكون الانتقال من القصة القصيرة إلى الرواية صعبا على الكاتب في تجارب البداية لهذا الانتقال، وفاطمة المزروعي كاتبة قصة قصيرة لها مجموعات “لعبة الاختباء” و”ليلة العيد” استطاعت في سنوات قليلة وبدون عناء وبعيدا عن الضجيج أن تعلن حضورها في خريطة هذا الفن في الإمارات وفازت بعدة جوائز، وقد تعودت على الحدث الواحد المحكم أو ردة فعل الشخصية الواحدة، فسهل عليها أن تتصرف في الحكاية كما تشاء، وأن تعطي للغة الشاعرية مداها الفسيح لتنتج الدلالة . لذلك فحين أرادت الانتقال إلى الرواية حملت معها تقنيات القصة القصيرة فكتبت بشاعرية، ومن زاوية شخصية واحدة هي شخصية الراوية التي تتحدث مباشرة بضمير المتكلم “أنا”، صوت الفتاة التي تريد أن تعبر عن إدانتها لعادات وتراث اجتماعي يجرم الأنثى لمجرد أنها أنثى ويمارس عليها كل أنواع الظلم والكبت، ولم تترك المؤلفة أي نوع من تلك الممارسات التي شاهدتها في مجتمعها أو سمعت عنها أو قرأت إلا وأخضعت بطلة قصتها لها، فجعلتها كما يقال “فأر تجربة” لكل تلك العادات والتقاليد ولسانا جاريا بإدانتها، وهذه المحاولة لحشد كل تلك الممارسات في شخصية واحدة أفقدت الرواية الصدق الفني اللازم وجعلت خط الحركة الزمنية فيها غير واضح المعالم، وجعلت أثر هذا الزمن كذلك على البطلة ضئيلا فكأنها ولدت مكتملة الرؤية، وغشت المجتمع بسوداوية وانغلاق ليس فيها بصيص من نور أو انعتاق، ونتج عنها أيضا أن الكثير من الشخصيات تظهر في لحظة عابرة ثم تختفي من الرواية نهائيا، وكأنها لم تأت إلا لإظهار مثلبة معينة من مثالب المجتمع ثم اختفت، وفقدت الشخصيات بذلك إنسانيتها التي هي الشرط الأول للرواية .ومع هذا فإن في الرواية جمالية أسلوبية وقدرة جميلة على الانتقال بين أحداث الماضي واختيار ما يناسب منها، واستطاعت إلى حد كبير أن تتجنب التناقض والتعارض في الأحداث والتبريرات ورسم الشخصيات وهو أمر يؤرق كتاب الرواية كثيرا، فهي رواية جديرة بأن تقرأ، وليست هذه سوى بدايات من المؤكد أن فاطمة المزروعي ستتبعها بروايات أخرى أكثر نضجا وإبداعا . . ونتوقع منها الكثير .

2 views0 comments
bottom of page