top of page
  • Writer's picturefatima

نقد قصة "ليلة عيد"



رنا رفعت 

ليس المكان في المشهد السردي مجرد جغرافيا مادية يحدد من خلالها الإطار العام للأحداث والسياق الدرامي الذي يسير عليه النص الأدبي ، إنما هو في الجوهر معطى معنوي وروحي تشكله شبكة من العلاقات والروابط الإنسانية التي تلتصق بذاكرته معطية إياه أبعادا أكثر حميمية وصدقا ، وغالبا مايتبلور جزء كبير من الذات البشرية بناء على علاقتها الوطيدة بالمكان الذي تنتمي إليه ن والشيء ذاته يحدث مع الكائنات الورقية التي يفرزها أي عمل إبداعي ، إذ تتشكل الشخصيات في إطار حيز مكاني معين يسهم بشكل كبير في تشكيل مرجعياتها الفكرية والنفسية والسلوكية ، وبشكل تلقائي تتشكل علاقة لا مرئية بين الشخصية وفضائها المكاني بحيث تأخذ هذه العلاقة مستويات من المتانة والقوة يحددها الأسلوب السردي للكاتب والغاية المضمرة له من وراء هذا العمل أو ذاك.في مجموعتها القصصية "ليلة العيد"فاطمة المزروعي تقصي "المكان" وتلغي إرثه الحيفي مجموعة فاطمة المزروعي القصصية "ليلة العيد" ينجلي تماما أن الكاتبة لا تملك هاجس المكان أصلا سيما عندما يكون هذا المكان هو المدينة ، وهو مايبدو واضحا من خلال تسع قصص متتيالية هي عدد نصوص المجموعة ن ففي قصص المزروعي يغيب المكان تماما على عن المشهد السردي سواء على مستوى الجغرافيا أم على مستوى العلاقات الإنسانية التي تؤلف ذاكرته وإرثه الحي ، ويأخذ المكان لدى المزروعي ثلاثى اشكال فهو إما مدينة واقعية وإما مفترضة أو قرية وفي الحلات الثلاث يبقى المكان في جميع النصوص مجرد إطار شكلي دور ضمنه الأحداث من دون أن يكون لأي من معطياته دور فاعل أو حقيقي في تقدم الحبكة القصصية وسير الاحداث أو في بناء الضخيات وتطورها حتى في حال كون الفضاء المكاني يعبر عن حيز جغرافي مالوف للقارئ كما في قصتها "شمس الليل" على سبيل المثال حيث تجري الأحداث كما تشير القاصة في الإمارات وتحديدا على الطريق بين أبوظبي والعين إلا أن شيئا من هذه المعطيات لا يؤثر لا حقا في المشهد السردي إذ ستبدا الشخصية بالولوج إلى عالم من الذكريات والأفكار المتداعية في إطار تخيلي بحت ينأى بنفسه عن البعد الزمكاني ولو أن القاصة تحاول في استهلال النص أن تصوغ علاقة من نوع ما مع الفضاء المكاني الذي اختارته فتشير على عجالة إلى أن " الشوارع هامدة والطرق أمامه نائمة والبيوت الساكنة تطالعه والمحلات شبه ميتة .. " وهي محاولة لإيجاد توأمة ما بين العوالم الداخلية للشخصية الرئيسية والحيز الجغرافب الذي تدور الأحداث في فلكه إلا أن هذه العلاقة لا تلبث أن تنقطع نهائيا عندما عندما يغوص "حمد" في فضائه الداخلي ويتحول الفضاء المكاني للنص إلى منطقة جرداء بلا تفاصيل ولا حياة ولا حضور له في السياق السردي اللاحق.الأمرذاته يتكرر في عدد من النصوص الاخرى مثل قصة " الاعمى " حيث تجري الاحداث كما يتضح منذ البداية في مدين مفترضة "هنا في بلاد النبيذ والنساء الشقراوات ماذا يفعل ؟ الحياة اجبرته على التشرد ، يمد يديه يتسول يبحث عن أي شيء يسد هذه البطون الخاوية ، ورغم هذه الاشارة الأولية إلى حيز مكاني ما – ولو أنه متخيل – لكن القاصة تعود مرة أخرى فتجرد المكان من حضوره إذ تدخل الشخصية الرئيسية كما في النص السابق في جملة من التداعيات الفكرية والعوالم الباطنية مقصية المشهد من إحداثياته المكانية الاولى فلا يعود شئ منها إلى الظهور إلا في المشهد الأخير حيث يختتم النص حبكته من خلال جملة مختلفة "فتح الباب ثم سار في طريقه المعتم وفي رأسه كان يعرف أي طريق سوف تسلكه قدماه " إذا يلاحظ في هذا النص وفي نصوص أخرى مثل "نجم الشمال" و"عصافير المساء" و"أحلام ملونة" أن السرد يقوم على فضاء متخيل ورغم إمكانية التعامل مع البنية الرمزية لهذا الفضاء خاصة في حال كان "مدينة " نظرا لثراء حيزها المكاني وغناه بالمحمولات الإنسانية والثقافية ، وخلق نوع من التماهي بينه وبين الشخصيات والأحداث من خلال توطيد واقع سردي مواز للواقع الحقيقي والمألوف ، إلا أن القاصة تنفي هذا الخيار تماماوتؤثر المضي في عوالم قصصية مجردة من بعدها المكاني مع الاكتفاء بإشارات سريعة تنبئ بأن جغرافيا ماتحتضن هذه السياقات الدرامية إنما من دون إرساء أي شكل من أشكال المشاركة الدرامية والتعامل مع المكان كمعطى يكثف دلالات الحديث ويسهم في توجيهه ، وهو ما يظهر واضحا من خلال الإشارات المختزلة التي تتبعها هذه النصوص ففي "أحلام ملونة " تكتفي القاصة بالإشارة إلى الجامعة كحيز ضيق وحضور لا يذكر للمكان من خلال سردها التالي " بين زملائها في القسم وطالباتها في قاعة المحاضرات وحتى أثناء وجودها في المنزل كان الجميع بلا تحديد يتحدثون عن صرامتها وقسوتها "أما في نجم الشمال فيكاد القارئ يشعر في كل لحظة بأن الكاتبة على وشك الإفصاح عن مكان الأحداث وتسمية الأشياء بأسماءها فهي تقترب من خلال التفاصيل والتوصيفات من أمكنة ومدن مألوفة وحقيقية ، لكنها لا تلبث أن تبتعد عنها مرة أخرى لتظل على تهميشها المعتمد للفضاء السرمدي .إطار تخيلي بحت ينأى بنفسه عن البعد الزمكاني الذي تدور وتتطور فيه الأحداث إمكانية التعامل مع البنية الرمزية للفضاء المتخيل وخلق واقع سردي مواز للمألوف.

50 views0 comments
bottom of page